مع ازدياد المخاوف التي تهدد الاستقرار المالي العالمي بسبب أزمة الديون السيادية الأوروبية، أوصى صندوق النقد الدولي خلال اجتماعه السنوي الأخير باتخاذ تدابير قوية وحازمة من جانب الحكومات المختلفة للخروج من الأزمة الراهنة. فقد حث الصندوق صنّاع السياسات الأوروبيين بتوطيد التعاون على المستوى المالي داخل منطقة اليورو مع ضرورة العمل على استعادة الثقة المنعدمة في النظام المالي العالمي. ورغم اتخاذ صنّاع السياسات لعدد من الخطوات الهامة بالفعل، إلا أن البرنامج الذي وضعوه للخروج من الأزمة ما يزال منقوصًا، وهو ما قد يعرض المنطقة الأوروبية إلى دوامة هبوط وهروب لرأس المال بالإضافة إلى مخاوف تفكك الاتحاد الأوروبي والانهيار الاقتصادي. هذا ومن المرجح أن تدفع هذه الأزمة البنوك الأوروبية إلى التخلص مما قيمته 2.8 تريليون دولار أمريكي من أصولها خلال العامين القادمين للحد من تعرضاتها للمخاطر، وهو ما قد يؤدي إلى انكماش النمو في الاتحاد الأوروبي. لذا فإن التأخر في الوصول إلى حلول متكاملة للأزمة سيؤدي إلى تكبد المزيد من التكاليف والخسائر على مستوى الاقتصاد العالمي ككل.
ولا يجب على الدول التضحية بالنمو من أجل التقشف، إذ تشكل الموازنة بينهما المعضلة الأكبر التي يواجهها صنّاع السياسات مع ازدياد تباطؤ النمو العالمي. فهناك دول مثل اليونان وإسبانيا وغيرها من الدول الأوروبية الأخرى التي تعاني من ديون هائلة، قامت بخفض الإنفاق مع رفع الضرائب في نفس الوقت سعيًا منها لاستعادة الثقة في دور الدولة في الاقتصاد بالإضافة إلى تأهيل نفسها لمواجهة أي كوارث محتملة. وفي الجهة المقابلة، فإن الاقتصاديات الأوروبية الأكثر عافية من الناحية المالية، مثل ألمانيا وفنلندا، فربما تواجه تراجع كبير محتمل في نموها إذا لم تتمكن تلك الاقتصاديات المضطربة من تصحيح أوضاعها المالية والاقتصادية. وفي نفس الوقت، فمن الممكن أن تنهار فرص التعافي الاقتصادي في أوروبا بشكل تام إذا تعمقت الآثار السلبية الناتجة عن سياسة زيادة الضرائب وخفض الإنفاق.
ومن ناحية أخرى، فإنه يتوجب على كل من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان استخلاص الدروس والعبر من أزمة الديون السيادية في الاتحاد الأوربي للحيلولة دون تكرار تلك الأزمات، هذا وقد يؤدي التأخير في إجراء التعديلات اللازمة على السياسات الاقتصادية والمالية حتى تتمكن الأسواق من استرداد عافيتها إلى نتائج اقتصادية قاسية. وقد ساعد الاتفاق الذي أبرمه البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات في استعادة بعض الثقة في السوق وتضييق فارق الديون السيادية بين الدول الأوروبية الرئيسية والدول الأقل قوة. لكن على الجانب الآخر، لا يزال المستثمرون من القطاع الخاص يفتقرون إلى الثقة في الأسواق الأوروبية ولا يزال الفارق بين العوائد على تلك الديون مرتفعاً الأمر الذي قد يضعف أي فرص للتعافي من تلك الأزمة. هذا ويتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية اتخاذ ما يلزم من ضوابط وتشريعات لخفض العجز المالي لديها والتركيز في ذات الوقت على خلق فرص عمل على المدى المتوسط. وقد يتأثر الاقتصاد العالمي بشكل كبير في حال عدم اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية لتلك الخطوات اللازمة للحد من تراجعها المالي.
أما بالنسبة للاقتصاديات الآسيوية ككل، فقد انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول آسيا إلى أدنى مستوى له منذ بداية الأزمة المالية العالمية في عام 2008 حتى النصف الأول من عام 2012 وذلك بنسبة 5.50%. هذا بالإضافة إلى أن تباطؤ النمو الاقتصادي في الهند والصين كان له أثراً سلبياً على الاقتصاديات الإقليمية؛ حيث تسبب عدم شعور المستثمرين بالثقة في الهند بالإضافة إلى القيود المفروضة على الواردات هناك إلى تباطؤ النمو وتأخر عجلة الاستثمار، بينما تحتاج الصين إلى تضافر كافة الجهود من أجل الخروج من الأزمة الراهنة والوصول إلى بر الأمان. هذا وعلى الرغم من أن النصف الثاني من عام 2012 لم يكن مشجعاً لاقتصاديات دول آسيا إلا أن امتلاكها للأسس الاقتصادية والسياسة القوية نسبياً ساعد في تحصينها من عدوى الآثار السلبية المنتشرة في الأسواق المالية. وقد يتسبب تقليص المديونية من قبل البنوك وهروب رؤوس الأموال إلى ملاذات أكثر أمانًا في التأثير بشدة على الأنظمة المالية الآسيوية. لذا، يتوجب على واضعي التشريعات دعم سياسات النمو المستقرة والحفاظ على الاستقرار المالي ووضع الأسس السليمة لتحقيق النمو والازدهار المستدام على المدى المتوسط.
ورغم أنه قد تم الإعلان عن حزمة من التدابير على مستوى السياسات من أجل استعادة النمو، إلا أنه من الضروري أن يتم تنفيذ هذه التدابير بسرعة وفعّالية من أجل إعادة بناء الثقة. وعلى الاقتصاديات المتقدمة تطبيق الإصلاحات الهيكلية اللازمة وغيرها من الخطط المالية بمنتهى الجدية. أما اقتصاديات الأسواق الناشئة فعليها الاحتفاظ بمرونة السياسات لديها بالشكل المناسب لدعم النمو وصد أي صدمات معاكسة محتملة.