القطاع المصرفي العالمي سيتأثر بشدة نتيجة عدم التوصل إلى حل لأزمة سقف الدين الأمريكي
صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي على قرار يقضي بتعليق قضية سقف الديون السيادية بصورة مؤقتة. وهذا القرار من شأنه رفع سقف الديون السيادية للولايات المتحدة الأمريكية حتى 19 مايو 2013. ويتوقف تطبيق هذا القرار على مصادقة الرئيس الأمريكي ومجلس النواب عليه وهو الأمر المتوقع حدوثه. وسيمنح هذا القرار الحكومة الأمريكية المزيد من الوقت لمواصلة سداد فواتيرها بينما يعمل الكونجرس والبيت الأبيض على التوصل إلى اتفاق لخفض العجز، إلا أن القرار لن يوقف خطط التخفيض في النفقات أو يقلل من حدة الخلافات بشأن الإنفاق الحكومي. ويترقب المستثمرون ما ستفضي إليه نتائج الأسبوع الأول من شهر مارس 2013 الذي سيشهد مواجهة بين الجمهوريين والرئيس الأمريكي حول تخفيض النفقات واحتمالات التوصل إلى اتفاق ينهي الخلافات القائمة بينهما بنهاية شهر مارس 2013. وتواجه الولايات المتحدة الأمريكية مشكلة كبيرة بخصوص الديون تحتم عليها ضرورة التوصل إلى حل، كما يتعيّن أيضًا وضع الموازنة تحت الرقابة. ومن المحتمل أن يقود عدم التوصل إلى حل والتأجيل المتواصل للأزمات والقضايا المالية وعدم البت فيها إلى تخفيض تصنيف الديون السيادية وإضعاف الدولار. ومع ذلك، فمن الممكن أن ينتج عن انهيار سوق رؤوس المال العالمية والسلع تحويل حركة الأموال إلى أذون الخزانة الأمريكية وبالتالي منح الدولار المزيد من الدعم.
وإلى جانب ذلك، تمثل أزمة الهاوية المالية الأمريكية واحدة من أكبر الأخطار التي تهدد الاقتصاد العالمي بجانب أزمة اليورو الحالية. وبالتالي فيمكن لهذا الأمر أن يثبط عزيمة المستثمرين على المدى الطويل في الأسواق المالية الإقليمية والعالمية. وهذا وقد وصل سقف الدين الأمريكي إلى 16.4 مليار دولار أمريكي بتاريخ 31 ديسمبر 2012. وقد اشتد الجدل في عام 2011 حول سقف الدين الأمريكي مما تسبب في تخفيض التصنيف الائتماني لديونها السيادية وإثارة المخاوف في الأسواق المالية. ومنذ أن قامت وكالة ستاندرد آند بورز بتخفيض دين الولايات المتحدة الأمريكية في شهر أغسطس من عام 2011، هبطت النقطة المرجعية الأمريكية الخاصة بعائدات الأذونات ذات العشر سنوات إلى أقل من 2%. وفي شهر يناير 2013، حذرت وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني من أن معركة أخرى طويلة الأمد على سقف الدين الأمريكي قد تؤدي إلى تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة حيث أن عدم وجود خطة متوسطة الأجل ذات مصداقية لخفض العجز من شأنه أن يؤدي في وقت لاحق في هذا العام إلى تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة حتى إذا تم تجنب أي أزمة أخرى لسقف الدين.
وبالنسبة إلى منطقة الخليج، تعتمد الموازنات المالية لاقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي على سعر النفط بحد أدنى 60 دولار/للبرميل. وحيث أن أسعار النفط في الوقت الحالي عند أعلى مستوياتها، فقد أعط ذلك الفرصة لدول مجلس التعاون الخليجي لخلق فائض في الحساب الجاري وأيضاً في الموازنة. هذا وبإمكان اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي الصمود أمام انهيار أسعار النفط عن مستوياتها الحالية المرتفعة بسبب أزمة سقف الدين الأمريكي وذلك إذا لم تستمر الأزمات في الأسواق المالية لفترات طويلة. ومع ذلك، فإن أسواق رأس المال الخليجية قد تتأثر بأي انخفاض لأسعار النفط أو أي تطورات اقتصادية سلبية في الولايات المتحدة. مع العلم أنه بإمكان الإجراءات التصحيحية المنتهجة في أسواق رأس المال أن تحرم المستثمرين من أرباح الاستثمارات.
علاوةً على ذلك، تتأثر عائدات السندات الخليجية أيضًا بمخاوف خفض التصنيف السيادي للولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن لذلك أن يؤثر بالتالي على محافظ السندات. كما يمكن أيضًا أن تنحسر السيولة في أسواق ما بين البنوك نتيجة للارتفاع في العائدات والضغوط التي يشهدها النظام المالي ككل. وحاليًا تضع هوامش الفائدة المنخفضة ضغوطًا كبيرة على ربحية القطاعات المصرفية الخليجية والتي تبحث عن مصادر أخرى للدخل (كالدخل من الاستثمارات والقطع الأجنبي) من أجل تحسين صافي الإيرادات والدخل لديها. وسوف يؤدي أي انهيار للأسواق المالية إلى حرمان القطاعات المصرفية من مثل هذه المصادر من الدخل. وإذا ما لم يتم التوصل إلى حل لمشكلة الهوية المالية في الولايات المتحدة، وإذا ما انحسرت السيولة في الأسواق المالية وظلت الضغوط هي السمة السائدة، فمن الممكن أن يتأثر النمو في اقتصاديات الخليج وأداء البنوك بدرجة كبيرة.
كما ستتأثر الصناعة المصرفية العالمية بصورة أعمق بسبب أزمة سقف الدين الأمريكي، حيث أن حدوث أي تقلبات في أسواق العملة سيجعل من الصعب على تلك الأسواق خلق أوضاع مواتية وبالتالي فسوف يتأثر الدخل من القطع الأجنبي. كما يمكن للتوتر في أسواق المال وارتفاع أسعار الفائدة بين البنوك إلى كبح عمليات الإقراض والاقتراض بين البنوك. بالإضافة إلى ذلك، فإذا ما تعرضت أسواق رأس المال والسلع إلى هبوط حاد، فمن المرجح حدوث إما انخفاض في أرباح الاستثمارات أو زيادة في حجم التعثر لدى البنوك العالمية (أو كلاهما). ولذلك فإن عدم التوصل إلى حل لأزمة سقف الدين الأمريكي سيكون له تأثير عميق على القطاعات المصرفية العالمية.