وداعًا للعام 2012 ومرحبًا بالعام 2013
دعونا مع اقتراب عام 2012 من نهايته أن نقوم باستعراض التطورات الرئيسية التي أثرت على الاقتصادات والأسواق المختلفة في عام 2012، بالإضافة إلى التوقعات والتقديرات التي من المرجح أن يشهدها العام المقبل. وفيما يتعلق بالتوقعات الاقتصادية، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.3٪ في عام 2012، وأنه سيرتفع إلي 3.6٪ في عام 2013. ويُنتظر أن تنمو الاقتصادات المتقدمة بنسبة 1.3٪ في عام 2012، و1.5٪ في عام 2013.
وكان الاقتصاد الأمريكي قد نما بنسبة 3.1٪ في الربع الثالث من عام 2012، أي بنسبة تفوق تلك المحققة خلال الربع الثاني والتي بلغت 1.3٪. هذا وكان قد أعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي عن تنفيذ الجولة الثالثة من برنامج “التسهيل الكمي” في شهر سبتمبر 2012 لتعزيز النمو وخفض البطالة. وقد سجل معدل البطالة في الولايات المتحدة ما نسبته 7.7٪ في شهر نوفمبر 2012، وما تزال هذه النسبة عالية رغم أنها أفضل من تلك المسجلة في شهر نوفمبر من العام 2011 حيث بلغت نسبة البطالة حينها 8.7٪. ويُنتظر تنفيذ الجولة الرابعة من برنامج التسهيل الكمي اعتبارًا من شهر يناير 2013. هذا وما يزال شبح الهاوية المالية يلوح في الأفق في الولايات المتحدة الأمريكية، وينبغي التوصل إلى حل سريع وعاجل لتفادي أي آثار سلبية قاسية في الولايات المتحدة، مثل الركود، أو انهيار السوق، أو تخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة. ومن المتوقع نمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.2٪ في عام 2012، وتتوقف درجة النمو في العام على مدى التقدم الذي سيتم إحرازه تجاه قضية الهاوية المالية. وأما الاقتصاد البريطاني، فقد شهد ركودًا مزدوجًا في عام 2012، إلا أنه استطاع أن يتعافى وإن كان بوتيرة بطيئة. وقد واصل بنك إنجلترا تدابيره التخفيفية في عام 2012. ومن المتوقع انكماش الاقتصاد البريطاني إلى ما نسبته -0.4٪ في عام 2012، على أن يشهد نموًا بنسبة 1.1٪ في عام 2013.
انخفضت تكاليف الاقتراض لدى كل من إيطاليا وإسبانيا خلال هذا العام، وفي حين يُنتظر أن تتلقى اليونان مساعدات تمويلية، إلا أن القضايا المتعلقة بالاتحاد المصرفي والمالي لا تزال يتعين حلها ويجب أن يتم التوصل إلى هذه الحلول في عام 2013. ويمكن ظهور المشاكل في اليونان وإيطاليا وإسبانيا في أي وقت. وربما يقال لدافعي الضرائب الألمان في مرحلة ما أنهم سيخسرون أموالهم في اليونان. وفي المقابل، تشهد إيطاليا حالة من عدم الاستقرار السياسي. وفيما يتعلق بإسبانيا، فالسؤال هو: هل ستحتاج إسبانيا إلى الإنقاذ في العام القادم؟ هذا ومن المتوقع أن ينكمش النمو في منطقة اليورو ليسجل ما نسبته 0.4٪ في عام 2012 على أن يسجل نموًا بنسبة 0.2٪ في عام 2013. ومن جهة أخرى، فقد واصل الين الياباني انحداره بعد أن تم التخطيط لمزيد من التدابير التخفيفية من جانب بنك اليابان. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الياباني بنسبة 2.2٪ في عام 2012 و1.2٪ في عام 2013.
كان عام 2012 عامًا صعبًا بالنسبة للاقتصادات الناشئة هي الأخرى؛ فكانت الهند قد شهدت مخاوف من التضخم، وعجز الحساب الجاري، والعجز المالي، وخطر تخفيض التصنيف السيادي هذا العام، والخبر السيئ أن هذه المخاوف سوف تظل تلوح في الأفق في عام 2013. ومع ذلك فمن المتوقع تراجع التضخم وإنعاش النمو. وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الهندي سيسجل نموًا بنسبة 4.9٪ في عام 2012 و6٪ في عام 2013.
وعلى جانب آخر، سجل الاقتصاد الصيني نمواً قدره 7.4% في الربع الثالث من العام 2012 وكان هذا سابع ربع يشهد تباطؤ في معدل نمو إجمالي الناتج المحلي. واتخذ البنك المركزي الصيني التدابير التخفيفية اللازمة لتحفيز النمو المتباطئ بينما أصبحت أسواق رأس المال هذا العام أقل جاذبية. وبالنسبة إلى الاقتصاد الصيني فمن المتوقع أن ينمو بنسبة 7.8% هذا العام وبنسبة 8.2 % في العام 2013. ولن تراوح مخاوف الإقراض بالعملات الصعبة في الصين مكانها إذ ستبقى على ما كانت عليه خلال العام القادم، أما بالنسبة إلى الاقتصاد البرازيلي فمن المتوقع أن يسجل نمواً قدره 1.5% في العام 2012 و4% في عام 2013. ومن المتوقع أن يسجل الاقتصاد الروسي نمواً بنسبة 3.7% في العام 2012 و3.8% في العام 2013. هذا ويعتبر الاقتصاد العالمي الهش وبناه التحتية الواهنة بمثابة “عنق الزجاجة” في التنمية الاقتصادية والمعضلة الرئيسية التي تعوق النمو في المستقبل.
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط سيكون قوياً هذا العام إذ من المتوقع أن يحقق نمواً قدره 5.3% نظراً إلى زيادة إنتاج الدول الكبرى المنتجة للنفط، واسترداد الاقتصاد الليبي نشاطه في أعقاب الصراعات التي شهدتها البلاد في العام 2011، غير أن التوقعات تشير إلى انخفاض النمو الاقتصادي إلى 3.6%. ولا تزال هنالك مخاوف من أن تشكل الأوضاع التي تعيشها مصر وإيران تهديدا جيوسياسياً للمنطقة برمتها.
فمن التوقع أن يسجل الاقتصاد السعودي نموًا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6% في العام 2012 على أن تنخفض هذه النسبة إلى 4.2 % في العام 2013. بينما يُنتظر أن تسجل الإمارات العربية المتحدة نموًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4% في العام 2012 على أن يتراجع إلى 3% في العام 2013. وبالنسبة إلى عُمان، فتشير التقديرات إلى أنها ستسجل نموًا بنحو 5% في العام 2012 و4% في 2013. أما البحرين، فيُنتظر أن تحقق نموًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2% في العام 2012 على أن ترتفع هذه النسبة إلى 3% في العام 2013. وبالنسبة إلى الاقتصاد القطري، فقد كشفت تقديرات صندوق النقد الدولي الأخيرة أن الناتج المحلي الإجمالي لعام 2012 سينمو بنسبة 6.3%، ويتوقع الصندوق أن يسجل إجمالي الناتج المحلي في عام 2013 نموًا بنسبة 4.9%. هذا ويبدو أن القطاع غير الهيدروكربوني سيواصل زخمه ونموه خلال عام 2013، بينما سيشهد قطاع النفط والغاز تراجعًا في النمو مع تحقيق فائض في الحساب الجاري تفوق نسبته 22%.
وتشير التقديرات إلى احتمال وصول سعر خام برنت إلى 125 دولار أمريكي للبرميل الواحد وسعر خام غرب تكساس الوسيط إلى 100 دولار أمريكي للبرميل الواحد مع استمرار التوترات الخاصة بالملف الإيراني. وقد شهدت أسعار الذهب والفضة انخفاضاً بسبب المخاوف من الهاوية المالية التي تتعرض لها الولايات المتحدة الأمريكية. غير أنه من الممكن أن تصل سعر أونصة الذهب إلى 2000 دولار وأونصة الفضة إلى 35 دولار في العام 2013 إذا تم التوصل إلى حل للهاوية المالية.
ولقد احتلت أسوق المال في ألمانيا والهند مركزًا متقدمًا من حيث النمو في العام 2012، غير أن مؤشر نيفتي، وأسواق المال في أمريكا وفرنسا والمملكة المتحدة قد شهدت أداءً جيدًا هذا العام هي الأخرى. ومن الممكن أن تسهم التدابير التخفيفية التي اتخذتها العديد من البنوك المركزية في تحفيز النمو في مختلف أسواق المال في العام 2013، إلا أن التحديات التي تقف حجر عثرة في طريق تحقيق ذلك النمو تتمثل في الهاوية المالية في الولايات المتحدة الأمريكية، والمشاكل التي تشهدها منطقة اليورو، ونمو الاقتصادات المحلية، والتضخم. وبالإضافة إلى ذلك، فمن الممكن أن تحول المخاوف التي تشهدها الصين من الإقراض والارتفاع المستمر في أسعار النفط دون تحقيق ذلك النمو.