عبرت الأمم المتحدة عن قلقها العميق إزاء انخفاض الاحتياطات العالمية من الحبوب، وأشارت إلى أن الظروف المناخية القاسية التي تشهدها الولايات المتحدة أو غيرها من الدول المصدرة للغذاء قد تؤدي إلى أزمة غذائية كبري في العالم خلال العام المقبل. ومن ناحية أخرى، انخفض احتياطي الولايات المتحدة الأمريكية من محصول الذرة – التي شهدت أعلي موجات الحر والجفاف في عام 2012 – بشكل تاريخي ليصل إلى نسبة 6,5%، ومن المتوقع أن تستهلك أمريكا هذا المخزون في العام المقبل. وتعد إمدادات الغذاء حالياً شحيحة للغاية في كافة أنحاء العالم حيث وصلت نسبة الاحتياطي الغذائي الاستراتيجي عند أدنى مستوى لها بما لا يدع مجالاً للأحداث غير المتوقعة في العام المقبل.
وتشير إحصائيات منظمه الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” إلى أن حوالي 870 مليون نسمه في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا يعانون من سوء التغذية ونمو سكاني مرتفع. علاوة على أن مشكلة الغذاء ترتبط بشكل وثيق بمشاكل الفقر والحروب والأمراض والأوبئة والتدهور البيئي ومجموعة من القضايا الأخرى التي تحد من حصول الأفراد على الغذاء الكافي للعيش حياة صحية وكريمة. هذا بالإضافة إلى أن الغالبية العظمي من الجياع الذين يصل عددهم حوالي 82 مليون نسمة يعيشون في البلدان النامية ويمثلون نحو 15% من تعداد سكان العالم بينما يعاني نحو 16 مليون نسمة من سوء التغذية في البلدان المتقدمة.
هذا وقد تسببت أسوأ موجة جفاف في الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تشهد مثيلا لها منذ نصف قرن تقريباً في ارتفاع الأسعار وتقلباتها حيث شهدت العقود الآجلة للذرة في السوق الأمريكي والذي يعد من أكبر الأسواق المنتجة لمحصول الذرة في العالم أرقاماً قياسية لتسجل 8.49 دولار أمريكي للبوشل في أغسطس 2012 وذلك قبل أن تتراجع في هذا الشهر لتتراوح قيمتها ما بين 7 إلى 7.50 دولار أمريكي للبوشل. هذا ويتوقع أن ترتفع الأسعار لتصل إلى 9 دولار أمريكي للبوشل. وشهد العالم في عام 2012، تغييرات مناخية حادة أصبحت تشكل تهديداً خطيراً لإمدادات الغذاء العالمية. ومن المحتمل أن تستمر أسعار الغذاء في الارتفاع طالما استمرت التقلبات المناخية على ما هو عليه وهو مما يمثل خطورة بالغة تهدد سبل العيش ووضع الأمن الغذائي العالمي. لذا، لم يعد بإمكاننا النظر إلى قضايا الأمن الغذائي ومشاكل الفقر والتغيير المناخي كقضايا منفصلة غير مرتبطة ببعضها. هذا ويعد انتهاج نهج الزراعة “الذكية مناخياً” بمثابة القوة الدافعة للنمو الأخضر في العالم بأكمله.
هنالك فرصاً عديدة للتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة، وزيادة عمليات استخلاص الكربون من التربة في الوقت الذي نعمل فيه على تحقيق أهداف الأمن الغذائي، إذ يمكننا على سبيل المثال زيادة فعّالية الأنظمة الزراعية ورفع إنتاجيتها وذلك من خلال تطبيق الممارسات الإدارية السليمة. أما بالنسبة إلى التقنيات فمن الممكن ان تلعب دوراً فعالاً في تقليل الانبعاثات. وهذا من شأنه أيضاً المساعدة في تطوير مرونة هذه الأنظمة للوفاء بالطلب المتزايد والحصول على الغذاء بصورة مستدامة.
وكانت الأزمة المالية العالمية عامي 2007 – 2008 بمثابة جرس الإنذار إلى دول مجلس التعاون الخليجي والذي دفعها للعمل على تأمين الغذاء وتوفيره. ولم يكن لدول مجلس التعاون الخليجي أي صناعات تعتمد على الزراعة المحلية، إذ أن دول مجلس التعاون الخليجي وفقاً لتصنيف منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تعد من الدول التي تعاني من ندرة في مصادر المياه. ونتيجة لذلك أصبح مخزون المياه في تلك الدول مالحاً وبدأ في الانحسار. ونالت الزراعة التي تعتمد على المياه الجوفية نصيب الأسد من إجمالي استخدامات الموارد المائية التقليدية. وعليه يعد تأمين حصول الأفراد على مياه الشرب النظيفة، وإدارة المصادر المحدودة من المياه العذبة والترشيد الأمثل لها من المواضيع التي تحتل الأولوية في أجندة التنمية المستدامة. وفي الآونة الأخيرة أولت دول مجلس التعاون الخليجي اهتماما ً كبيراً بتأمين الغذاء وعملت على إتباع وتبني نظرة منهجية في هذا الخصوص.
وقد قام برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي خلال شهر أبريل 2011 بالتوقيع على مذكرة تفاهم مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تهدف إلى تشكيل إطار عمل لمكافحة الجوع في العالم، وتعزيز الأمن الغذائي العالمي. وتجدر الإشارة إلى أن قطر تبذل جهوداً حثيثةً ترمي إلى الحد من الاعتماد على الواردات الغذائية من خلال زيادة وتحسين إنتاج المزارع في قطر.
وتشير التقديرات إلى أن حجم استهلاك دول مجلس التعاون الخليجي من المواد الغذائية سيصل إلى 51.5 مليون طن بحلول عام 2015، فيما يتوقع أن ينمو حجم استهلاك قطر من المواد الغذائية بنسبة قدرها 6.3% خلال الأعوام 2011-2015. وبحسب توقعات وحدة الاستخبارات الاقتصادية، فإنه من المرجح أن يشهد عدد السكان في منطقة الخليج المزيد من الارتفاع ليتجاوز الـ50 مليون نسمة بحلول العام 2020 علماً أن عدد سكان المنطقة يبلغ 40.6 مليون نسمة في الوقت الحالي. وفيما يتعلق بالاكتفاء الغذائي، فإن الدول الخليجية تحتاج إلى استيراد ما يقرب من 90% من احتياجاتها الغذائية التي لا تستطيع تأمينها نظراً إلى شُح الموارد المائية وقلة الأراضي الصالحة للزراعة. ونتيجة لاعتماد الدول الخليجية الكبير على تلك الواردات، فإن ذلك يجعلها شديدة التأثر بأزمات أسعار المواد الغذائية التي تشهدها الدول المصدّرة.
هذا وتشمل بعض التدابير المتخذة دمج كل من الامن الغذائي والزراعة المستدامة في كل من السياسات العالمية والوطنية، ورفع مستويات الاستثمارات الزراعية، وزيادة الإنتاج الزراعي على نحو مستدام مع الحد من الآثار البيئية المصاحبة لها في نفس الوقت، بالإضافة إلى تأسيس أنظمة معلوماتية شاملة ومتكاملة تهدف إلى تسجيل وتتبع التغييرات التي تطرأ على استخدام الأراضي الزراعية، ومستويات الإنتاج الغذائي، والتغييرات المناخية التي تعد جزءً لا يتجزأ من إدارة الأمن الغذائي.